سورة آل عمران - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{وما كان لنفس أن تموت} أَيْ: ما كانت نفسٌ لتموت {إلاَّ بإذن الله} بقضائه وقدره، كتب الله ذلك {كتاباً مؤجلاً} إلى أجله الذي قدِّر له، فلمَ انهزمتم؟ والهزيمة لا تزيد في الحياة. {ومَنْ يرد} بعمله وطاعته {ثواب الدنيا} زينتها وزخرفها {نؤته منها} نُعْطه منها ما قدَّرناه له، أَيْ: لهؤلاء المنهزمين طلباً للغنيمة، {ومن يرد ثواب الآخرة} يعني: الذين ثبتوا حتى قُتلوا {نؤته منها} ثمَّ احتجَّ على المنهزمين بقوله: {وكأين} أَيْ: وكم {من نبيٍّ قتل} في معركةٍ {معه ربيون كثير} جماعاتٌ كثيرةٌ {فما وهنوا لما أصابهم} أَيْ: ما ضعفوا بعد قتل نبيِّهم الآية.
{وما كان قولهم} أَيْ: قول أصحاب ذلك النبيِّ المقتول عند الحرب بعد قتل نبيِّهم {إلاَّ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا} تجاوزنا ما حُدَّ لنا {في أمرنا وثَبِّتْ أقدامَنا} بالقوَّة من عندك والنُّصرة.
{فآتاهم الله ثواب الدنيا} النَّصر والظَّفر {وحسن ثواب الآخرة} الأجر والمغفرة.
{يا أيها الذين آمنوا إِنْ تطيعوا الذين كفروا} أَيْ: اليهود والمشركين حيث قالوا لكم يوم أُحدٍ: ارجعوا إلى دين آبائكم، وهو قوله: {يردوكم على أعقابكم} يرجعوكم إلى أوَّل أمركم من الشِّرك بالله.
{بل الله مولاكم} أَيْ: فاستغنوا عن موالاة الكفَّار، فأنا ناصركم فلا تستنصروهم، ولمَّا انصرف المشركون من أحدٍ همُّوا بالرُّجوع لاستئصال المسلمين، وخاف المسلمون ذلك فوعدهم الله تعالى خذلان أعدائهم.


{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرُّعب} الخوف حتى لا يرجعوا إليكم {بما أشركوا} أيْ: بإشراكهم بالله {ما لم ينزل به سلطاناً} حجَّةً وبرهاناً، أيْ: الأصنام التي يَعبدونها مع الله بغير حجَّة {ومأواهم النار} أَيْ: مرجعهم النَّار {وبئس مثوى الظالمين} مقامهم.
{ولقد صدقكم الله وعده} بالنَّصر والظَّفر {إذْ تحسُّونهم} تقتلون المشركين يوم أُحدٍ في أوَّل الأمر {بإذنه} بعلم الله وإرادته {حتى إذا فشلتم} جَبنْتُم عن عدوِّكم {وتنازعتم} اختلفتم في الأمر. يعني: قول بعضهم: ما مقامنا وقد انهزم القوم الكافرون، وقول بعضهم: لا نجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختلاف كان بين الرُّماة الذين كانوا عند المركز {وعصيتم} الرَّسول بترك المركز {من بعد ما أراكم ما تحبُّون} من الظَّفر والنَّصر على أعدائكم {منكم مَنْ يريد الدنيا} وهم الذين تركوا المركز، وأقبلوا إلى الذَّهب {ومنكم مَن يريد الآخرة} أَيْ: الذين ثبتوا في المركز {ثمَّ صرفكم} ردَّكم بالهزيمة {عنهم} عن الكفَّار {ليبتليكم} ليختبركم بما جعل عليكم من الدَّبرة، فيتبيَّن الصَّابر من الجازع، والمخلص من المنافق {ولقد عفا عنكم} ذنبَكم بعصيان النبيِّ صلى الله عليه وسلم والهزيمة {والله ذو فضلٍ على المؤمنين} بالمغفرة.


{إذْ تصعدون} تَبعدون في الهزيمة {ولا تلوون} لا تقيمون {على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم} من خلفكم يقول: إليَّ عبادَ الله إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله، وأنتم لا تلتفتون إليه {فأثابكم} أَيْ: جعل مكان ما ترجعون من الثَّواب {غمَّاً} وهو غمُّ الهزيمة وظفر المشركين {بغمٍّ} أَيْ: بغمِّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عصيتموه {لكيلا تحزنوا} أَيْ: عفا عنكم لكيلا تحزنوا {على ما فاتكم} من الغنيمة {ولا ما أصابكم} من القتل والجراح.
{ثمَّ أنزل عليكم من بعد الغمِّ أمةً نعاساً} وذلك أنَّهم خافوا كرَّة المشركين عليهم، وكانوا تحت الحَجَف مُتأهِّبين للقتال، فأمَّنهم الله تعالى أمناً ينامون معه، وكان ذلك خاصَّاً للمؤمنين، وهو قوله: {يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمَّتهم} وهم المنافقون. كان همَّهم خلاص أنفسهم {يظنون بالله غير الحق} أَيْ: يظنون أن أمر محمد عليه السَّلام مضحملٌّ، وأنه لا ينصر {ظنّ الجاهلية} أَيْ: كظنِّ أهل الجاهليَّة، وهم الكفَّار {يقولون هل لنا من الأمر من شيء} ليس لنا من النصر والظَّفَر شيء كما وُعدنا. يقولون ذلك على جهة التكذيب. فقال الله تعالى: {إنَّ الأمر كلّه لله} أَيْ: النصر والشهادة، والقدر والقضاء {يخفون في أنفسهم} من الشك والنفاق {ما لا يُبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء} أَيْ: لو كان الاختيار إلينا {ما قتلنا هَهُنَا} يعنون: أنَّهم أخرجوا كُرهاً، ولو كان الأمر بيدهم ما خرجوا، وهذا تكذيبٌ منهم بالقدر، فردَّ الله عليهم بقوله: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} مصارعهم، ولم يكن لِيُنجيهم قعودُهم {وليبتلي الله ما في صدوركم} أيُّها المنافقون، فعلَ الله ما فعلَ يوم أُحدٍ {وليمحِّص} ليظهر ويكشف {ما في قلوبكم} أيُّها المؤمنون من الرِّضا بقضاء الله {والله عليمٌ بذات الصدور} بضمائرها.
{إنَّ الذين توَّلوا منكم} أيُّها المؤمنون {يوم التقى الجمعان} أَيْ: الذين انهزموا يوم أحد {إنما استزلَّهم الشيطان} حملهم على الزَّلَّة {ببعض ما كسبوا} يعني: معصيتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم بترك المركز {ولقد عفا الله عنهم} تلك الخطيئة.
{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} أَيْ: المنافقين {وقالوا لإِخوانهم} أَيْ: في شأن إخوانهم في النَّسب {إذا ضربوا في الأرض} أَيْ: سافروا فماتوا وهلكوا {أو كانوا غُزَّىً} جمع غازٍ، فقتلوا {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} تكذيباً منهم بالقضاء والقدر {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أَيْ: ليجعل ظنَّهم أنَّهم لو لم يحضروا الحرب لاندفع عنهم القتل {حسرة في قلوبهم} ينهى المؤمنين أن يكونوا كهؤلاءِ الكفَّار في هذا القول منهم، ليجعل اللَّهُ ذلك حسرةً في قلوبهم دون قلوب المؤمنين {واللَّهُ يحيي ويميت} فليس يمنع الإِنسان تحرُّزه من إتيان أجله.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13